عدد سكان كولومبيا: التحولات الديموغرافية في قلب أمريكا الجنوبية
تُعد كولومبيا واحدة من أبرز الدول في أمريكا الجنوبية من حيث الكثافة السكانية، التنوع السكاني، والنمو الحضري المتسارع. تحتل موقعًا جغرافيًا استراتيجيًا بين أميركا الوسطى والجنوبية، وتحدها من الشمال البحر الكاريبي ومن الغرب المحيط الهادئ، وهي البلد الوحيد في القارة الذي يطل على المحيطين. تلعب كولومبيا دورًا محوريًا في موازين الاقتصاد الإقليمي والسياسة القارية، كما أن خصائصها السكانية تعد من العوامل الحاسمة لفهم تطورها الداخلي وتفاعلها الخارجي.
بلغ عدد سكان كولومبيا وفقًا لتقديرات عام 2024 حوالي 52 مليون نسمة، مما يجعلها ثالث أكبر دولة من حيث عدد السكان في أمريكا اللاتينية بعد البرازيل والمكسيك. هذه الكثافة السكانية المتنامية هي نتيجة لمجموعة من العوامل التاريخية، السياسية، الاقتصادية، والاجتماعية، وتستحق دراسة معمقة لفهم طبيعة التغيرات التي طرأت على المجتمع الكولومبي في العقود الأخيرة.
التوزيع الجغرافي للسكان
السكان في كولومبيا يتوزعون بشكل غير متوازن بين الأقاليم المختلفة. المناطق المرتفعة، مثل إقليم الأنديز الذي يشمل العاصمة بوغوتا والمدن الكبرى مثل ميديلين وكالي، تشهد أعلى كثافة سكانية، بينما تظل المناطق الشرقية مثل الأمازون ومنطقة أورينوكو ذات كثافة منخفضة للغاية.
أكثر من 80% من السكان يعيشون في المدن، وهو ما يعكس معدل التحضر المرتفع في البلاد. العاصمة بوغوتا وحدها تأوي ما يزيد عن 8 ملايين نسمة، تليها ميديلين، كالي، وبارانكيا، مما يجعلها مراكز حضرية رئيسية تحتوي على البنية التحتية الاقتصادية والتعليمية والصحية في البلاد.
النمو السكاني والتغيرات الزمنية
شهدت كولومبيا تحولًا ديموغرافيًا ملحوظًا منذ منتصف القرن العشرين. ففي ستينيات القرن الماضي، كان معدل الخصوبة في البلاد يتجاوز 6 أطفال لكل امرأة، إلا أن هذا الرقم انخفض تدريجيًا ليصل إلى ما يقرب من 1.8 طفل لكل امرأة في عام 2023، وهو أقل من معدل الإحلال السكاني (2.1).
وقد ساهمت سياسات تنظيم الأسرة، وتوسع التعليم، وزيادة مشاركة المرأة في سوق العمل في تقليص معدل الخصوبة. على الرغم من ذلك، لا يزال معدل النمو السكاني إيجابيًا، ويرجع ذلك إلى تحسن مستويات الرعاية الصحية وانخفاض معدل وفيات الأطفال وارتفاع متوسط العمر المتوقع.
التكوين العمري للسكان
السكان في كولومبيا يتميزون بتركيبة عمرية شابة نسبيًا، وإن كانت تمر بتحول تدريجي نحو الشيخوخة. الجدول التالي يوضح التوزيع العمري التقريبي للسكان وفقًا لتقديرات 2024:
| الفئة العمرية | النسبة المئوية |
|---|---|
| أقل من 15 سنة | 23.5% |
| من 15 إلى 64 سنة | 65.2% |
| 65 سنة فأكثر | 11.3% |
هذا التوزيع يعكس بداية التحول الديموغرافي الذي تمر به معظم دول أمريكا اللاتينية، حيث تتراجع نسب الأطفال في مقابل ارتفاع نسبة كبار السن، مما يفرض تحديات على أنظمة التقاعد والرعاية الصحية في المستقبل القريب.
التوزيع العرقي والثقافي
كولومبيا بلد متعدد الأعراق والثقافات، مما ينعكس بشكل مباشر في التنوع السكاني. غالبية السكان (حوالي 85%) ينتمون إلى مجموعات مختلطة بين الأوروبيين والهنود الأصليين (mestizos)، إضافة إلى نسبة معتبرة من السكان البيض الذين ينحدرون من أصول إسبانية أو أوروبية أخرى.
هناك أيضًا نسبة مهمة من الأفروكولومبيين (حوالي 10%)، بالإضافة إلى سكان أصليين من مختلف القبائل، خاصة في مناطق الأمازون، وخليط متنوع من الأقليات العربية والآسيوية التي استقرت في البلاد منذ بدايات القرن العشرين.
هذا التنوع ينعكس في اللغة، حيث تظل الإسبانية اللغة الرسمية، لكنها تتعايش مع حوالي 65 لغة محلية تستخدمها الأقليات العرقية، لا سيما في المناطق الريفية والنائية.
الهجرة والنزوح الداخلي
مرت كولومبيا بتجارب متعددة مع الهجرة والنزوح، سواء الداخلي أو الخارجي. الحرب الأهلية الطويلة التي استمرت لعقود بين الحكومة والمتمردين أدت إلى نزوح ملايين الأشخاص من مناطقهم الأصلية نحو المدن الكبرى. حتى عام 2023، تشير البيانات إلى أن عدد النازحين داخليًا تجاوز 7 ملايين شخص.
أما على صعيد الهجرة الخارجية، فقد شهدت كولومبيا تدفقًا كبيرًا للمهاجرين من فنزويلا، نتيجة للأزمة السياسية والاقتصادية التي تمر بها جارتها. تشير التقديرات إلى وجود أكثر من 2.5 مليون فنزويلي مقيم داخل كولومبيا، أغلبهم في المدن الكبرى والمناطق الحدودية.
التركيب الديني
السكان في كولومبيا يدينون بشكل أساسي بالمسيحية، إذ تُعد الكنيسة الكاثوليكية الديانة المهيمنة، حيث تشير التقديرات إلى أن حوالي 70% من السكان يعتنقون الكاثوليكية. ومع ذلك، شهدت العقود الأخيرة نموًا في عدد البروتستانت والإنجيليين، الذين يشكلون اليوم حوالي 20% من السكان، بينما تتوزع النسبة المتبقية على ديانات أخرى
